
“الشاعر.. رحلة الكلمات بين الماء والتراب والجرح”
بقلم مهند كامل

لتذهبَ أعلى من مجرَّدِ راجعٍ
يفتّشُ في الصحراءِ عن مفرداتهِ
ويحلبُ نوقاً في السرابِ ورحلةً
مزوَّرةً لا تنتمي لجهاتهِ
خذ الماءَ يجري خطوةً بعدَ خطوةٍ
مثالاً لكي تخطو على خطواتهِ
وكنْ مثلَهُ حتَّى يضيعَ يمثله
وعشهُ تماماً في فصولِ حياتهِ
فقد كانَ من أمرِ الترابِ انصياعهُ
وكانَ اندفاعُ الماءِ سراً لذاته
هوى قمرٌ من تحتِ جلدكَ طالعٌ
وفاضَ نبيٌّ فيكَ من معجزاتهِ
أمامكَ عرشٌ ساقطٌ أو مدينةٌ
تشيّعُ شعباً فرَّ من ذكرياتهِ
وأنتَ تناجي شمعةً في متاهةٍ
عليها غبارٌ غارقٌ في سباتهِ
وبعضَ تماثيلٍ يحنّطُ صوتها
زمانٌ مضى عنها إلى مجرياتهِ
إلى من يعيشُ الآنَ يكتبُ عن غدٍ
يصارعُ دنيا في امتحانِ ثباتهِ
يطالعُ أنقاضاً ويسكنُ خيمةً
ويُخرجُ غرقى من محيطِ دواتهِ
ترى الدمعَ في عينيهِ صوتَ فجيعةٍ
الشاعر.. رحلة الكلمات بين الماء والتراب والجرح”
وتسمعُ نارَ الحربِ في قسماتِهِ
له الله كم عانى لنقرأ جرحنا
كمنحوتةٍ خضراءَ من كلماتهِ
ويبقى لنا كالضوء حين تضيعنا
مطامح من يسعى إلى نزواتهِ
له اللهُ من كونٍ إذا ما قرأتَه
تواريتَ طول العمرِ في عتباتهِ
**لتذهبَ أعلى من مجرَّدِ راجعٍ
يفتّشُ في الصحراءِ عن مفرداتهِ**
الشاعر يدعو نفسه أو غيره إلى الارتقاء، لا أن يعود باحثًا تقليديًا عن الكلمات الضائعة وسط صحراء جافة ترمز للواقع القاسي أو الإلهام المفقود. لا يليق بالشاعر أن يكون مقلدًا أو مكرِّرًا، بل عليه أن يبتكر.
**ويحلبُ نوقاً في السرابِ ورحلةً
مزوَّرةً لا تنتمي لجهاتهِ**
يصف حال من يكتب بلا صدق أو عمق، كمن يحاول أن يستخرج الحليب من السراب، أي يجهد نفسه في وهم. الرحلة المزورة تشير إلى تجارب زائفة لا تعبّر عن الروح الحقيقية لصاحبها.
—
**خذ الماءَ يجري خطوةً بعدَ خطوةٍ
مثالاً لكي تخطو على خطواتهِ**
هنا يضرب الشاعر مثالًا بالماء الذي يتسلل ويشق طريقه بهدوء وثقة. يدعو القارئ أو الشاعر لأن يكون كالماء: صبورًا، عميقًا، متجددًا.
—
**وكنْ مثلَهُ حتَّى يضيعَ يمثله
وعشهُ تماماً في فصولِ حياتهِ**
كُن كالماء حتى تذوب فيه وتصبح أنت هو. عِش التجربة كاملة كما هي، لا كتشبيه أو استعارة فقط، بل كتجسيد حقيقي في حياتك.
—
**فقد كانَ من أمرِ الترابِ انصياعهُ
وكانَ اندفاعُ الماءِ سراً لذاتهِ**
التراب ينصاع ويتشكّل، والماء منطلق بطبيعته. يجمع الشاعر بين الرمزين: التراب (الثبات، الجذور)، والماء (الحركة، التغيير)، ليشير إلى توازنٍ مطلوب في شخصية الشاعر.
—
**هوى قمرٌ من تحتِ جلدكَ طالعٌ
وفاضَ نبيٌّ فيكَ من معجزاتهِ**
صورة قوية تدل على أن داخل الإنسان (الشاعر خصوصًا) قمرًا أي نورًا، ومعجزة داخلية، وكأن في أعماقه نبيًّا يفيض بالكلمات والإلهام.